-
13:47
-
13:05
-
17:47
-
16:19
-
13:42
-
11:03
-
09:48
-
08:07
-
18:02
تابعونا على فيسبوك
"هاربات".. صرخة نساء يبحثن عن الحرية
في زمن صار فيه الهروب خيارا يوميا، تأتي مسرحية "هاربات" لتغوص في العمق الإنساني لهذه الحالة، مقدمة رؤية مسرحية تتقاطع فيها الأسئلة الوجودية مع الواقع الاجتماعي والنفسي للإنسان المعاصر.
العمل، الذي عانق الركح مؤخرا بالمركز الثقافي ببنسليمان في أول عرض له، يحمل توقيع المخرج عبد الفتاح عشيق، ويروي حكاية أربع نساء اجتمعن داخل فضاء مغلق، بعدما قادتهن ظروف الحياة القاسية إلى الهروب من واقع ضاغط نحو مجهول لا يقل قسوة.
وفي حديثه لموقع ولو، أكد المخرج أن تقديم "هاربات" لم يكن فقط فضحا للوجه المظلم للهجرة، بل محاولة لدفع الجمهور إلى التفكير في معنى الهروب ذاته.
وأوضح أن "الإنسان، كما قال دوستويفسكي، يهرب من النور إلى الظلام كي لا يرى وجهه. وهكذا كانت بطلات المسرحية، نساء هربن من الضغط والوجع، لكنهن وجدن أنفسهن أمام وجع آخر، أمام مصيدة صنعنها بأنفسهن دون وعي".
وتابع المخرج حديثه قائلا: "أستحضر هنا كافكا الذي يرى أن الإنسان في هروبه يفر من مصيدة هو من بناها بيديه. وهذا ما حاولت المسرحية أن تناقشه: لماذا نهرب ؟ وإلى أين يمكن أن نهرب دون أن نصطدم بأنفسنا ؟".
وبخصوص اختياره فضاء مغلقا للأحداث، شدد عشيق على أن هذا الفضاء لم يكن اعتباطيا، بل خيارا فنيا وجماليا يخدم الرؤية الإخراجية. وأوضح قائلا: "الفضاءات الضيقة تمنح الممثل مساحة أكبر للحضور، وتسمح للمتفرج بالاقتراب من تفاصيل الجسد والنظرات والانفعالات. هذا الفضاء يخلق تركيزا عاليا، كأنه زووم بصري على الممثل، ويعكس الضغط النفسي الذي تعيشه الشخصيات".
وأضاف أن هذا النوع من الفضاءات يساعد أيضا على الحفاظ على التشويق، ليس فقط من خلال تطور القصة، ولكن أيضا عبر لغة الجسد والإضاءة والموسيقى التي ترافق التوتر حتى اللحظة الأخيرة.
وفي ما يتعلق بالمزج بين التراجيديا والتوتر النفسي داخل العرض، أوضح المخرج أن التوازن بينهما تحقق عبر الإيقاع الداخلي للعمل. وقال في هذا الصدد: "الصوت، الصمت، الكوريغرافيا… كلها عناصر ساهمت في خلق توازن دقيق حتى لا يطغى جانب على الآخر. فالصمت أحيانا يقول أكثر من الكلمات، وهو ما يمنح العرض بعده الإنساني العميق".
وعن شخصية شامة، التي توهم الأخريات بالخلاص لكنها تمنع صعودهن، أشار عشيق إلى أنها تمثل الأنظمة والأفكار التي تَعد بالحرية بينما تكرس الخضوع.
مردفا: "شامة هي صورة لكل نظام أو فكر يوهم الناس بالخلاص، بينما يمارس الطغيان في العمق. هي تجسيد للأنظمة السياسية أو الحزبية التي تبني قوتها على خوف الآخرين".
أما شخصية عائشة، التي تظهر من خلال الفلاش باك بعد انتحارها، فاعتبرها المخرج "رمزا لذاكرة الألم التي تلاحقنا جميعا. وتابع موضحا: "عائشة لم تعش الحياة، لكنها عاشت الوجع. هي الوجه الغائب للوجود، وذاكرة أولئك الذين غادروا بصمت وما زالوا يسكنوننا".
وردا على سؤال حول البعد الرمزي للهروب في المسرحية، قال عشيق إن "الهروب في هاربات هو استعارة عن واقع مغربي وعربي يعيش حالة انسداد أفق".
مضيفا: "المغربي يهرب من ضغط المعيشة والإحباط اليومي، والعربي يهرب من وطن ممزق وأنظمة متهاوية. نحن جميعا هاربون بطريقة أو بأخرى، ولو داخل أنفسنا".
كما أبرز المخرج أن الإضاءة والموسيقى والفضاء السينوغرافي لم تكن مجرد خلفية تقنية، بل أدوات درامية تهدف إلى إشراك الجمهور في التجربة الشعورية ذاتها.
وقال بهذا الخصوص: "أردت أن يعيش المتفرج إحساس الاختناق والعجز نفسه الذي تعانيه الشخصيات. أن يشعر بأنه محاصر معها، ينتظر مثلها الباب الذي لا يُفتح".
وعن اشتغاله مع الممثلات الأربع، أكد أنه اعتمد مقاربة مزدوجة: تدريبات جماعية وأخرى فردية، من أجل تفكيك الأبعاد الاجتماعية والنفسية والفسيولوجية لكل شخصية.
مشيرا إلى أن "كل تفصيل صغير - نظرة، حركة، صمت - كان يعبر عن عمق نفسي، وهذه التفاصيل هي التي تميز بين الشخصيات رغم تشابه مصيرهن.
يُذكر أن "هاربات" من تأليف حفصة الخال، وتجسد أدوارها كل من خولة احجاوج، أمنية الشفشاوني، هاجر المسناوي وحفصة الخال. ويُعد هذا العمل إنتاجا لفرقة "نقولو Action"، في إطار برنامج دعم وإنتاج وترويج الأعمال المسرحية الذي تشرف عليه وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة برسم سنة 2025.
ومن المنتظر أن تُعرض المسرحية خلال الأسابيع المقبلة في عدد من المدن المغربية، ضمن جولة وطنية ستقود الفرقة إلى مختلف المراكز الثقافية بالمملكة.